مكرم محمد أحمد ! العالم يرفض الابتزاز الأمريكي!

تخطئ الولايات المتحدة خطأًً جسيمًا إذ أخدها العناد والاستكبار بعيدًا وتصورت إن إرادتها السياسية أكبر من إرادة العالم أجمع، وتجاهلت إن من بين الغاضبين من قرارات القدس الأحادية الجانب التي تناقض الشرعية والقانون الدولي حلفاءها الأهم في العالم أجمع، إنجلترا وفرنسا وألمانيا ومصر والأردن واليابان، ولم تدرك المغزى الحقيقي من أن يعترض على قرارها في مجلس الأمن 14 من 15 دولة بينهم الأعضاء الداعون جميعًا غير الولايات المتحدة، ولم تر أية خطورة في أن يرفض قرارها 129 عضوًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة لا يساندها في عزلتها الدولية سوى إسرائيل وتسع دول هى جوا تيمالا، وهندوراس ،وتوجو ،وجزر الباسفيك ،ومكرونيزيا ،وجزرمارشال ،وإذا كان الفيتو الأمريكي الذي استخدمته الولايات المتحدة لأول مرة منذ ست سنوات قد نجح في وقت تنفيذ قرار مجلس الأمن بعد أن حظي بهذه الأغلبية الكاسحة، فإن قرار الجمعية العامة الذي أيدته 129 دولة مقابل تسع دول وقفت إلى جوار إسرائيل وأمريكا بقى شاهدًا على عزلة الولايات لا يكفى لمواجهته أن تعلن السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي في استكبار بالغ إن أي تصويت داخل الأمم المتحدة لن يحدث فارقًا لأن الشعب الأمريكي يريد أن يضع سفارته في القدس وهذا ما سوف يكون وما حدث بالفعل، لأن الأمم المتحدة ليست طبقاً لميثاقها مؤسسة أمريكية وإنما هى منظمة دولية تجمع كل دول وشعوب العالم تنطق باسم هؤلاء جميعًا وتعبر قراراتها عن مجمل ما يتفقون عليه .
والأغرب من هذا القول تصريح السفيرة الأمريكية بأن هذا التصويت سوف يغير نظرة أمريكا للأمم المتحدة وسوف يظل محفورًا في الذاكرة الأمريكية لأننا نتعامل مع دول لا تحترم الإرادة الأمريكية، بما يعني أن ما تراه الولايات المتحدة ينبغي أن يكون ، وأن السفيرة الأمريكية نيكي هايلي سوف ترفع إلى الرئيس ترامب بالفعل قائمة بأسماء الدول التي صوتت ضد القرار الأمريكي كى يحرم هذه الدول من أي عون أمريكي .
بهذا المنطق الغريب تتعامل أمريكا مع الموقف داخل الأمم المتحدة، تهدد بمنع العون الأمريكي عن الدول التي صوتت ضد قرار الرئيس الأمريكي ، وتهدد بمنع دفع حصتها في موازنة الأمم المتحدة لمجرد أن أعضاء الجمعية العامة مارسوا حقهم في التصويت الحر على مشروع قرار صاغته مصر في أسلس وأخف صورة إلى حد أنه لم يشر إلى الولايات المتحدة بصورة مباشرة كي يحظى بموافقة الجميع بما في ذلك الدول الكبار حلفاء الولايات المتحدة مثل إنجلترا وفرنسا واليابان .
صحيح أن قرار الجمعية العامة اعتبر أي قرارات أو أعمال من شأنها تغيير الوضع الراهن في القدس الشرقية أو التأثير على هويتها السكانية قرارًا لا ينتج أثرًا ولا يعتد به، لكن القرار يكاد يكون ترديدًا لقرارات مماثلة صدرت عن مجلس الأمن والجمعية العامة، وما جعل القرار هذه المرة أفدح أثرًا إن القرار أصبح بعد مجيء ترامب إلى الحكم جزءًا من سياسة أمريكية جديدة تلتزم بها إدارة ترامب التي قطعت علاقاتها بمواقف كل الرؤساء الأمريكيين السابقين من القدس بدعوى الاعتراف بالأمر الواقع .
ومع الأسف لا تزال الولايات المتحدة تصر على أن القرار يشكل خطوة مهمة على طريق السلام، ولا يشكل انحيازًا أمريكيًا مباشرًا لإسرائيل وليس مجرد تأكيد لقرار إسرائيل بضم القدس الشرقية إلى حدودها، وأنه قرار محايد لا علاقة له بالوضع النهائي الذي يبقى محل تفاوض مباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن السياسة الأمريكية الجديدة ليست سياسة فرض الأمر الواقع ولا تعني تأييد إسرائيل في قرارها المتعلق بضم القدس أو ترسيم حدودها النهائية الذي يبقى محل تفاوض مباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بينما يؤكد الفلسطينيون إن قرار الرئيس ترامب يفسد دور الولايات المتحدة كوسيط في عملية السلام لأنه قرار ينحاز إلى إسرائيل بصورة عمياء .
وحتى الآن لا يبدو واضحًا كيف ستتمكن إدارة الرئيس ترامب من احتواء الموقف خاصة أن القرار الأمريكي تجاهل على نحو تام أهمية القدس الشرقية بالنسبة لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم وأهميتها بالنسبة للمسيحيين، وهل ستستمر الحماقة الأمريكية إلى حد عقاب الدول التي صوتت ضد قرار ترامب سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة وأولها مصر التي صاغت مشروع القرار الأساسي والتي تتلقى معونة أمريكية قدرها 2ر1 مليار دولار لم تعد تشكل شيئًا مهمًا رغم أن مصر لا تزال تعبر المرحلة الأخيرة من عنق الزجاجة، لكن مصر لم يكن في وسعها سوى أن تقف إلى جوار الشعب الفلسطيني تسانده في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة وتمكنه من الحصول على أوسع مساحة ممكنة من التأييد العالمي حتى لو اضطرت إلى استخدام لغة أقل خطابية وتشددًا .
جريدة الأهرام

شاهد أيضاً

ستة أعوام ثَرية بالإنجازات لصالح تمكين المرأة المصرية بقلم أ.د. غادة عامر

منذ بداية الدولة المصرية لعبت المرأة دوراً مُهماً في المجتمع المصري، وكان لها مكانة خاصة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *