مكرم محمد أحمد…كيف فعلها الشباب الأمريكي ؟!

فعلها الشباب الأمريكي الذي نجح في أن ينجز ما لم تستطع النخبة إنجازه، سواء نخبة الأحزاب أو نخبة الكونجرس، عندما تمكن من إقناع 75 في المائة من الرأي العام الأمريكي بضرورة إعادة النظر في فرض عدد من القيود على تملك وحيازة الأسلحة النارية, بحيث يرتفع سن الحائز من 18 عاماً إلى 21 ، ويتم فحص تاريخ بعض طالبي حيازة السلاح بحيث يمتنع على ناقصي العقل والإرادة امتلاك سلاح ناري، ولا يصبح مشاعاً في الأسواق لكل من هب ودب فرصة الحصول على جهاز يمكنه من تحويل بندقية نصف الآلية إلى بندقية آلية تطلق 45 رصاصة في الدقيقة، وبهذه التدابير التي فرضها شباب المعاهد العليا فى الولايات المتحدة على الرأي العام الأمريكي وانحاز إلى بعضها الرئيس الأمريكي ترامب رغم علاقاته الوثيقة باتحاد البنادق أقوى مجموعات الضعط الأمريكي التى نجحت على امتداد سنوات طويلة فى حماية حق الأمريكيين ابتداء من سن 18 في امتلاك وحيازة سلاح نارى يدافع به عن نفسه دون أي قيود . وبالطبع لولا انحياز 75 في المائة من الرأي العام الأمريكي إلى ضرورة وضع هذه القيود لما تغير موقف الرئيس الأمريكي ترامب الذي كان من أهم دعاة حرية امتلاك وحوزة الأسلحة النارية دون قيود ولما تغيرت مواقف كثير من الجمهوريين الذين يشكلون الكتلة الأكبر الداعمة لحق امتلاك وحيازة سلاح نارى دون شرط أو ترخيص، ولما تحقق فى الرأي العام الأمريكي هذا التوازن الجديد الذي تفرضه القيود الجديدة بما يجعل تقييد حق استخدام السلاح لكل مواطن ممكناً لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، بما يؤكد بالفعل أن شباب أمريكا نجح فيما فشلت فيه كل النخب السياسية والحزبية على إمتداد سنوات طويلة . والواضح أن الاقتراح الذي عرضه الرئيس ترامب بتسليح بعض المدرسين وتدريبهم سرا ًعلى استخدام السلاح كي يسهل السيطرة على إطلاق النار العشوائي في المدارس الأمريكية لم يحظ بقبول محافظي معظم الولايات الأمريكية من جمهوريين وديمقراطيين، كما لم يحظ بقبول المدرسين خاصة أن تدريب المدرسين على استخدام السلاح يتطلب مهارات عالية فضلاً عن أن الجميع يرى أن الواجب الأول للمدرس هو تعليم التلاميذ وليس حمايتهم من إطلاق النار العشوائي . لكن الواضح للجميع أن رئيس اتحاد البنادق الأمريكي أقوى مجموعات الضغط الأمريكية لا يزال على موقفه من الرفض الكامل لأي قيود تفرض على البند الثاني من الدستور الذي يعطي الأمريكيين الحق في حمل وحوزة سلاح ناري ، بحجة أن للعدوان على هذا البند يمثل عدواناً على الحريات الشخصية ومقدمة للعداون على الحريات العامة، وهو لا يتورع عن اتهام كل شخص ينحاز إلى هذه المبادئ بأنه اشتراكي، وربما كان أكثر ما أثار غضب طلاب المعاهد الأمريكية في فلوريدا اتهام رئيس اتحاد البنادق وأين لابيير طلاب فلوريدا بأنهم اشتراكيون وأنصار للمفكر الاشتراكي ماركس، وأن هدفهم الحقيقى هو إيجاد المزيد من القوانين المقيدة للحريات الشخصية والعامة . ومع ذلك فإن هناك مجموعات كبيرة من الشخصيات الأمريكية المؤثرة التي تنوي الترشح لمناصب مهمة في الكونجرس أو محافظين للولايات تنأى بنفسها الآن عن أن تكون جزءاً من تيار الجمهوريين الذى يرفض تقييد حق حوزة وإمتلاك أسلحة نارية، كما تؤكد انفتاحها على مقترحات عديدة وردت فى حوارات الشباب تدعو إلى فرض المزيد من الضوابط المقيدة لحق استخدام البندقية حماية لأرواح شباب المدارس الذين يعانون تنامى إطلاق النار العشوائي, ولأن عيون وآذان الناس مفتوحة على مخاطر هذه التراجيديا التي تهدد أمن المدارس الأمريكية فإن غالبية الأمريكيين التى تصل الآن إلى حدود 75 فى المائة تطالب باتخاذ إجراءات أشد قسوة وصرامة تحفظ حياة هؤلاء الشباب, ومع تزايد حوادث إطلاق النار العشوائي على المدارس، ثمة احتياج أمريكي متزايد إلى نوع من التفكير المستقل عن دوائر الأحزاب ومجموعات الضغط المؤثرة خصوصاً جماعة حماية حق البندقية, لأن الأمر أصبح جزءاً من مشاغل كل مواطن أمريكي بعد سقوط 17 طالباً من مدرسة فلوريدا العليا، بما يجعل كل مواطن أمريكي مسئولاً عن تقديم حلول لهذه المشكلات، ولهذا يسعى كثير من المرشحين الذين ساندتهم سابقاً جماعة حماية البندقية إلى الناس بأنفسهم عن أن يكونوا جزءاً من حملة هذه الجماعة، أو جزءاً من حملة الحزب الجمهورى، بما يؤكد التأثير الواضح والمتزايد لحملات طلاب المعاهد العليا التي نجحت في تحريك مشاعر الأمريكيين, وجعلتهم أكثر حماساً لضرورة اتخاذ بعض الإجراءات المقيدة لحرية حوزة الأسلحة النارية.

وحتى في ولاية تكساس التي يحوز فيها الجميع السلاح دون ترخيص لأسباب تاريخية وثقافية, تنحو أغلبية المرشحين إلى ضرورة تقييد حق استخدام السلاح بما فى ذلك بعض الجمهوريين وخلاصة القول إن الشباب الأمريكي أحدث تغييراً مهماً فى الرأي العام الأمريكي جعل الأغلبية تقف إلى جوار تقييد هذا الحق المطلق بما يجعل المجتمع الأمريكي أكثر أمناً والتزاماً بضوابط السلامة .

جريدة الأهرام

شاهد أيضاً

ستة أعوام ثَرية بالإنجازات لصالح تمكين المرأة المصرية بقلم أ.د. غادة عامر

منذ بداية الدولة المصرية لعبت المرأة دوراً مُهماً في المجتمع المصري، وكان لها مكانة خاصة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *