صفوت عمران .. يكتب: رجال حول الرئيس

عباس كامل .. اللاعب الازرق .. حارس الكنز وكاتم السر

 كاتم السر، أمين المعبد، اللاعب الأزرق، الظل الخفي، وحارس الكنز .. ليست سلسلة روايات للكاتب البرازيلي العالمي باولو كويلهو، وليست أسماء لأفلام الموسم السينمائي الجديد، وإنما عناوين عميقة لحياة واحد من أشهر الشخصيات على المسرح السياسي المصري خلال السنوات الأخيرة، والتي استفادت من وجودها بجوار الرجل الأول لأقصي درجة، حيث أصبحت ملاصقة له في جميع مراحل صعوده وصولا إلى قصر الاتحادية منذ منتصف عام 2014 وحتي الآن، ليصبح رقماً صعباً، ومبعوثاً شخصياً، ومشاركاً بارزا في قيادة سفينة الوطن،في تلك اللحظات الحرجة، والتي تتقاذفها أمواج عاتية من كل اتجاه .

اللواء “عباس كامل” مدير مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، ظل يحتل نفس الموقع منذ عمله مع “السيسي” في المخابرات الحربية مرورا بمنصبه في وزارة الدفاع وحتى توليه رئاسة الجمهورية، فأصبح ذراعه الأيمن، ولسانه الصادق، وكاتم أسراره، وأسرار الدولة المصرية، رفض أن يكون رئيسا لديوان رئيس الجمهورية تحاشيا للذكريات السيئة التي تركها سابقيه، زكريا عزمي رئيس الديوان في “عهد حسني مبارك”، ومحمد رفاعة الطهطاوي رئيس نفس الديوان في “عهد محمد مرسي”، وحتى لا يتحمل نتيجة أوزارهما معا، مفضلاً أن يظل مديراً لمكتب الرئيس فقط، فأصبح لسان الرئيس وعقله، وأبرز عنوانين النظام الجديد، وأهم أذرعه المسئولة عن إدارة أدق الملفات وأصعبها، وكان أول ظهورا إعلاميا له بصحبة الرئيس قبل أداء اليمين الدستورية عقب انتخابات الرئاسة عام 2014، عندما رافقه في طائرته الخاصة إلى المحكمة الدستورية العليا بضاحية المعادي جنوب القاهرة.

“عباس كامل” ورث عداء الإخوان للنظام السياسي الحالي باعتباره أحد أبرز وجوهه، لذا كان بطل حرب التسريبات الملفقة، والتي حاولت الجماعة الإرهابية من خلالها زعزعة استقرار الدولة، وضرب الثقة بين أركان النظام، والعمل على تفكيك علاقاته الخارجية خاصة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية وباقي دول الخليج، لكن ثقة الرئيس فيه لم تهتز، ودوره في صناعة المشهد الحالي لم يتراجع قيد أنملة، بل يوماً بعد يوم يكتسب أرضيه جديدة، ويزداد إمساكه بمقاليد الوطن ومؤسساته، مستفيدا من جسور التلاحم القوية التي تربطه مع “السيسي” والممتدة لأكثر من عقدين كاملين، جعلت الرئيس يعطيه صلاحيات واسعة، صلاحيات منحته دوراً محورياً في كل ملفات إدارة الدولة المصرية وأخرها تسيير أعمال جهاز المخابرات العامة بعد إعفاء مدير الجهاز السابق اللواء خالد فوزي من منصبه، ووفقا لمُقربين من مؤسسة الرئاسة فإن ثقة الرئيس في مدير مكتبه تعود لعدة اعتبارات أهمها الكفاءة والانضباط والقدرة على الإنجاز، ولم تفلح محاولات البعض إفساد تلك العلاقة شديدة الخصوصية على الأقل حتي الآن.

والبحث عن معلومات موثقة عن “عباس كامل” وسيرته الذاتية، يشبه لحد كبير البحث عن “إبرة في كوم قش”، فالغموض يحيط بالرجل، وكأنك تسير في سرداب مظلم لا يعرف له أول من أخر، ربما لطبيعة عمله العسكرية أو لأنه الظل الخفي للرئيس السيسي الذي كان يعمل بمواقع شديدة الحساسية، وقتما كان يتم إعداد “السيسي” منذ سنوات ليكون خليفة المشير “حسين طنطاوي” في وزارة الدفاع إلا أنه لا يعرف علي وجه الدقة عما إذا كان “المشير طنطاوي” هو من قدم اللواء عباس” ليكون بجوار “الرئيس السيسي” أم إن “اللواء عباس” هو من قدم “الرئيس السيسي” إلى “المشير طنطاوي”، حيث فتحت “الأقدار والثورة معا” الطريق أمام “السيسي” ليكون رئيساً للجمهورية بمطلب شعبي واسع خاصة بعد ثورة 30 يونيه 2013، وكلما صعد “السيسي” درجة صعد معه “عباس كامل” مكتسبا أهمية إضافية.

ورغم ظهوره مع أضواء الشمس بجوار الرئيس إلا أن المعلومات عنه ظلت كما الصور شحيحة للغاية، حيث يظهر نادرا في لقطات عابرة منها زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للأردن في ديسمبر 2014، ولدولة الكويت في يناير 2015، وكان ضمن الوفد المصري الذي قدّم العزاء في الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ومعظم تلك الزيارات تمت بعد ظهور التسريبات المشكوك في صحتها، تأكيدا علي قوة نفوذ الرجل، واستمرار ثقة الرئيس فيه.

“عباس كامل” تصفه دوائر قريبة من النظام بـ”الرجل الثاني في الدولة”، وبأنه خازن أسرار السيسي، وصديقه الصدوق، وناصحه الأمين، ومخزن ثقته، والذي يرتب كل ما يتعلق بـ”معبد الرئاسة” شديد الخصوصية، بداية من مواعيد الرئيس وحتى إدارة كل تفاصيل الدولة سواء كانت متعلقة بالحكومة وأدائها أو الترتيبات السياسية وما تم من الإشراف على استكمال خارطة الطريق التي انتهت بانتخاب مجلس النواب في نوفمبر 2015، علاوة على التنسيق مع مختلف القوى السياسية حيث تربطه علاقات قوية مع الجميع، مرورا بالتواصل مع الدوائر الخارجية ورسم الواقع الاقتصادي، وضبط المشهد الإعلامي، فالجميع يرونه المبعوث الشخصي للرئيس والمتحدث بلسانه، لذا لا تتوقف تحركاته الداخلية أو رحلاته الخارجية للعواصم الصديقة لتنفيذ مهام محددة وشديدة الدقة والحساسية، مستفيدا مما يمثله من عقلية عسكرية تنظيمة هائلة، وهو ما جعل التواصل معه والحصول على رضاه أو ثقته أو كلاهما معا حلم أغلب اللاعبين علي الساحة المصرية بمختلف توجهاتها، وبات مفتاح الباب الشرعي لدخول عالم النظام الجديد، وجواز المرور إلى قلب السلطة، لذا يسعى الجميع للحصول علي توقيعه، ونيل رضاه.

“عباس كامل” الذي رافق الرئيس في جميع لحظاته الصعبة منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن ، ومنها تنحي الرئيس مبارك، عَزل المشير طنطاوي، عَزل محمد مرسي، فض اعتصامي الإخوان في رابعة العدوية والنهضة، كان حاضرا وبقوة في الليلة التي قرر فيها المشير السيسي التراجع عن الترشح لرئاسة الجمهورية، ووفقا لتقارير إعلامية، فإنه وبعقلية رجل المخابرات الذي يمتلك قدرة تنظيمية رهيبة عدد له مجموعة احتمالات إذا لم يترشَح ما بين عودة الإخوان، ونجاح مرشح أمريكا والغرب، وغضب شعبي، وثورة ثالثة، ومن هنا اقتنع السيسي بالترشح، ثم كان المدير الفعلي لحملة الرئيس الانتخابية وليس السفير محمود كارم، حيث كان يدير الحملة الموازية، وجميع الحملات الشعبية التي كانت تؤيد السيسي كانت تعمل تحت إشرافه، والتي كانت جميعها أكثر تنظيما ورؤية عن الحملة التي قيل وقتها إنها الحملة الرسمية، ولم يستغن الرئيس عن رفيق رحلته الطويلة، فأخذه معه إلى القصر الجمهوري ليصبح أحد أبرز رجال الظل في النظام المصري الحالي، ومبعوث السيسي لدوائر صناعة القرار، ويكاد يكون المراجع لكل ما على الرئيس عمله.

“عباس كامل” الذي يراه خصومه شبيها لـ “دون كورليوني” ــ مارلون براندو ــ في فيلم “الأب الروحي”، يراه مريديه بأنه يمتلك خبرة السنوات الطويلة التي تمكنه من مواجهة جميع الأمواج العاتية، وتحمل جميع الظروف الصعبة، وإنه يقدم الدعم الكامل للرئيس في لحظات شديدة الحساسية، خاصة إنه يواجه مع النظام ما يمكن أن نسميه “أسماك القرش” التي تسبح في النظام السياسي العالمي سواء في الداخل أو الخارج كما في رواية “العجوز والبحر” للكاتب الأمريكي “إرنست همنجواي”، والتي تطارد ما جناه المصريون من ثورتين عظيمتين وسعيهم لبناء دولة ديمقراطية حديثة، يحكمها الدستور والقانون، ويسودها العدل والمساواة، دولة تضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتتقاطع مع الوساطة والمحسوبية وكروت التوصية، وتعتمد على الكفاءة والخبرة، دولة لا تدار بـ”الريموت كونترول” بقدر ما تبني شركاء وطنيون قادرون على تحمل المسئولية ومواجهة الصعاب، وهو ما يستوجب علية أن يصل بها إلى بر الأمان ، وأن يمنع نهش ما حققه الوطن حتي يكون وصوله للشاطئ مثمراً وألا يكتشف أنه عاد خالي الوفاض، أنه مطالب بأن يكون أحد بنّائي النظام الجديد، وينتقل به إلى حيوية المستقبل، ويخلصه من إرث الماضي البغيض وأدواته الفاسدة والمستبدة.

 

شاهد أيضاً

ستة أعوام ثَرية بالإنجازات لصالح تمكين المرأة المصرية بقلم أ.د. غادة عامر

منذ بداية الدولة المصرية لعبت المرأة دوراً مُهماً في المجتمع المصري، وكان لها مكانة خاصة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *