مكرم محمد أحمد … طائرات الفلسطينيين الورقية؟!

لن يتوقف الفلسطينيون عن ابتكار حلول جديدة لتعزيز مقاومتهم الشعبية للاحتلال الإسرائيلي، حتى يكون الإسرائيليون على يقين بأن المقاومة الفلسطينية قادرة أبدا على أن تضرب أمنهم ومصالحهم، وأن إسرائيل مهما بلغت من الذكاء ودقة الحساب لن تستطيع تصفية المقاومة الشعبية أو منعها، ولن تستطيع ملاحقتها وهي تتطور على هذا النحو السريع، من حركات الطعن خفية بالسكاكين وسط زحام الأرصفة إلى الدهس المفاجئ بالسيارات في الشوارع والميادين، وهي جرائم غالبا ما يتم تنفيذها عفو الخاطر، يستشعر بعدها الفلسطيني أنه استرد آدميته وبات إنسانا.

وبرغم ضعف الوازع الأخلاقي لمثل هذه العمليات التي ربما تصيب أبرياء كثيرين، لم تدع جرائم الإسرائيليين ضد الفلسطينيين التي اتسمت بالخسة والترصد المسبق والعنصرية القبيحة مسوغا لتوجيه أي لوم إلى الفلسطينيين، ومنذ أسابيع نجح الفلسطينيون في ابتكار وسيلة جديدة للمقاومة تتمثل في إطلاق مئات الطائرات الورقية المشتعلة إلى حقول المستوطنات الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة لتحرق آلاف الدونمات من زراعات القمح والزيتون، وتكبد سكان المستوطنات خسائر كبيرة، وحتى اليوم تم إطلاق 600 طائرة ورقية تسببت في 198 حريقاً أدت إلى اشتعال 9 آلاف دونم من المحاصيل الزراعية والغابات .

وما يزيد من خطورة الطائرات الورقية أن الفلسطينيين نجحوا في تحميلها بعض المتفجرات التي تنفجر فور ملامستها مكان الهبوط ما زاد من خطورتها، ويعني نجاح الطائرات الفلسطينية في تدمير 9 آلاف دونم «2143 فداناً» أن الطائرات الورقية أصبحت أحد الشواغل الأساسية لإسرائيل، وفي لقاء بنيامين نيتانياهو والمستشارة الألمانية ميركل، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى خطر الطائرات الورقية الفلسطينية، مؤكداً أنها مشكلة جديدة تعاني منها المستوطنات القريبة من قطاع غزة وأن الجيش الإسرائيلي يبحث الآن الوسائل التكتيكية لإحباط خطر الطائرات، كما أن حكومة إسرائيل قررت أن تدفع للمستوطنين التعويضات عن حرائق زراعاتهم، على أن يتم خصمها من أموال التعويضات المستحقة للسلطة الوطنية الفلسطينية، لكن الواضح من تواصل المقاومة الشعبية وتنوع أساليبها ونجاحها في أن تفلت من كل صور الحصار الإسرائيلي أنها مستمرة ما دام احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية، طال الزمن أو قصُر ما دام هناك فلسطينيون يرزحون تحت ذُل الاحتلال الإسرائيلي، لأن المقاومة تمثل للفلسطيني أداة تحقيق إنسانيته وكرامته وتبرير وجوده، هي وحدها التي تعطيه معنى أن يكون إنساناً وهي وحدها التي تشعره بأنه آدمي، من حقه أن يناضل من أجل وجوده وكرامته.

ومع الأسف لم يفهم الإسرائيليون بعد أن غلبة هذا الشعور على الشباب الفلسطيني في قطاع غزة هو الذي يدفعهم إلى التظاهر كل أسبوع في منطقة الحواجز الشائكة، مع علمهم بأن القناصة الإسرائيليين يترصدونهم بهدف قتلهم، ومع تأكدهم أن الموت ينتظرهم هناك كل أسبوع، بما يعني أن الموت والحياة يتساويان الآن بالنسبة للشباب الفلسطيني، يمكن تقبلهما بسهولة، لكن ما لا يمكن قبوله هو الرضوخ لذُل الإسرائيليين. وعندما يصبح هذا الشعور هو المُسيطر على الشباب الفلسطيني فلا مفر من أن تستمر المقاومة وتتعدد صورها وتأتي كل يوم بجديد إلى أن تقوم الدولة الفلسطينية على أرض الضفة والقطاع، تعيش في أمن إلى جوار إسرائيل، أو تقوم على كامل الأرض الفلسطينية من البحر إلى النهر بما في ذلك أرض إسرائيل دولة ديمقراطية واحدة، شعارها الأهم صوت انتخابي واحد لكل مواطن سواء كان إسرائيلياً أو فلسطينياً.. هذان هما الخياران الوحيدان الباقيان لبنيامين نيتانياهو رئيس الوزراء وعصابة الأشرار التي تحكم إسرائيل.

جريدة الأهرام

شاهد أيضاً

ستة أعوام ثَرية بالإنجازات لصالح تمكين المرأة المصرية بقلم أ.د. غادة عامر

منذ بداية الدولة المصرية لعبت المرأة دوراً مُهماً في المجتمع المصري، وكان لها مكانة خاصة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *