رؤية إعلامية على أرضية إجتماعية ثقافية وطنية د. هدي زكريا 

بقلم ا.د / هدى زكريا

 

أولاً: ما الذي يمثِّله إنشاء المجلِس؟ 

مثَّل قرار إنشاء المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام إستجابة حتمية لإحتياج إجتماعي ثقافي وطني مُلِحّ بدا بوضوح في إعلان الوطنيين من المفكِّرين وأصحاب الرأي في الندوات واللقاءات الفكرية والحوارات الإعلامية. 

فإذا كنّا لازلنا نتذكَّر كلمة السيد المشير عبد الفتاح السيسي لحظة إعلانه الشجاع بحتمية إستعادة مصر من براثن أعداءها في 30يونيو2012 

“هذا شعب لم يجد من يحنو عليه …” 

فسوف نقول : إن هذا الشعب نفسه قد عاني كثيراً من وسائل إعلامية 

لم تحاول أن “تحنو” على مجتمعها إلا في حالات نادرة، فصار الناس 

مكبَّلين ببرامج تلفزيونية ودراما ومقالات صحفية تتدنّى بالمستوى الثقافي للقارئ والمشاهد فتحاصره فكرياً وثقافياً بدعوى شريرة تشيع بأن “الجمهور عاوز كِدَه!”  

وكأن ذلك الجمهور الإفتراضي قد فوَّض هؤلاء المدَّعين للحديث بإسمه والتعبير عن إحتياجاته الفكرية والثقافية. 

والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف يمكننا أن نتعرَّف على الكيفية التي يتشكَّل بها التكوين الثقافي لجمهور القرَّاء والمشاهدين؟ 

وهل يأتي المشاهد والقارئ وقد تكوَّنت رؤيته الثقافية والفكرية من تلقاء نفسها بالفطرة ودون أن تتدخَّل مؤسسات الدولة التعليمية والثقافية المتنوعة في توجيه وتشكيل بنائه الفكري والثقافي؟ 

إن التقييم الموضوعي للواقع الثقافي الاعلامي يستلزم إستدعاء الماضي الإعلامي منذ الستينيات وإجراء مقارنة متأنية تكشف لنا كيف كان الخطاب الإعلامي المقروء والمسموع والمشاهَد “الميديا” 

يعكس الإحترام البالغ للوطن والمواطِن . . للمجتمع والناس . . من خلال القضايا التي كان الإعلام يتناولها ومن حيث اللغة التي كانت تحمل الرسالة الإعلامية. 

  •  الفيلتر الإعلامي السميك ذو الراقات المتعددة:

فقد كان السماح بالنفاذ إلى مصادر السُلْطة الأساسية للخطاب الإعلامي بالكلمة المكتوبة والمنطوقة يمرّ عَبْر “فيلتر” سميك متعدِّد الراقات يراعي في تكوينه النَسَق القيَمي السائد في مصر آنذاك والذي تحدد في ظله المعنى الحقيقي والصادق لعبارة “الجمهور عاوز كده، 

يتذوق كده ويتثقَّف كده وينفعل بكده!!” 

ذلك أن التفاعل بين الخطاب الإعلامي على تنوُّعه وبين المتلقّي الفاعل هو الذي ينتج ما يسمي بالإدراك الثقافي الإجتماعي أو ما إصطلحنا على تسميته بالوعي الإجتماعي. 

والسؤال الذي يفرض نفسه هو: ما الذي أصاب “الفيلتر” الذي كان يمثل جهاز المناعة الإعلامي، وما هي العوامل التي أضعفته ودفعته إلى الذوبان بالتدريج بحيث صارت الساحة الإعلامية نهْباً للطالح والغثّ من أنماط الخطاب الإعلامي، بحيث تمتَّع القادرون على النفاذ إلى مصادر السلطة الأساسية للخطاب العام والمسطرون على القَلَم والميكروفون من إنتاج خطاب إستهدف السيطرة على العقل العام من خلال مَن لم يستحق الحفاظ على شرف الكلمة الإعلامية، فصارت الساحة الإعلامية نهباً للانفلات الأخلاقي والتدنّي الثقافي واللغوي. 

وتراجع دور المشاهِد/المتلقّي وتدنَّت مكانته في نظر من سعوا إلى السيطرة على الإدراك الإجتماعي وعلى التحكُّم فيما سوف يفكِّر فيه الناس أولئك الذين تبدَّلت قوتهم ضعفاً ولم يمتلكوا أي فرصة للنفاذ إلى المشاركة في إنتاج الخطاب الإعلامي الذي قلّ عدد الحريصين على واجبهم في ممارسته كالقابض على قطعة من الجمر. 

وهنا، لابد من التوقُّف للسؤال: هل فطن الناس لماذا ينشأ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام؟! 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

ستة أعوام ثَرية بالإنجازات لصالح تمكين المرأة المصرية بقلم أ.د. غادة عامر

منذ بداية الدولة المصرية لعبت المرأة دوراً مُهماً في المجتمع المصري، وكان لها مكانة خاصة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *