عبد الفتاح الجبالي … التمكين الاقتصادي للمرأة المصرية

احتفلت مصر في الآونة الأخيرة بالعديد من المناسبات الخاصة بالمرأة مثل يوم المرأة العالمي وعيد الأم وغيرهما من المناسبات المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمرأة ، وهى توضح أهمية الدور المحوري للمرأة المصرية في الحياة اليومية وفي النشاط الاقتصادي، ورغم هذا فإن الأوضاع الاقتصادية لها خصوصًا في سوق العمل تحتاج إلى المزيد من الدراسة والتحليل بغية وضعها في إطارها الصحيح، وتمكينها اقتصاديًا؛ لتصبح قوة أساسية دافعة للاقتصاد القومي خاصة أنها تشكل نحو 47% من إجمالي السكان وفقًا للتعداد الأخير، فإذا ما أضفنا إلى ذلك وجود نسبة لا بأس بها من النساء تتحمل المسئولية الكاملة عن المعيشة فيما يطلق عليها المرأة المعيلة فإن المسألة تصبح أكثر أهمية، خاصة وأن نحو 12٫5% من الأسر التي ترأسها نساء أسر فقيرة معظمها في الوجه القبلي نحو 29% من الأسر و11% من الأسر في حضر الوجه القبلي مع ملاحظة أن 70% من الأسر الفقيرة التي ترأسها نساء من الأرامل، و74% منهن أميات هذا فضلًا عن أن نحو 61% من إجمالي الأسر الفقيرة التي ترأسها سيدات خارج قوة العمل المصرية و15% خارج القوى البشرية، أي أن المشتغلين منهم أقل من 24% معظمهن يعملن في الزراعة بنسبة 56% ثم الخدمات والمحال والمهن العادية ويعد وجود المرأة في سوق العمل وحصولها على الدخل المناسب أفضل السبل للتعامل الحقيقي مع المشكلات التي تعانيها ويوفر لها حياة كريمة، فالأجور تمثل أهم الطرق التي تستطيع بها الحكومات ضمان الحد الأدنى من مستويات المعيشية اللائق لقطاعات لا بأس بها من السكان عمومًا والنساء على وجه الخصوص وهنا لابد من تأكيد ضرورة ألا يقتصر النظر إلى الأجور باعتبارها مجرد عنصر من عناصر التكاليف فحسب، بل يجب أن يتعداه ليشمل النظر إليها باعتبارها مصدر الدخل الأساسي لهذا القطاع. الأمر الذي يتطلب أساسًا ضمان تحقيق معدلات نمو مرتفعة للاقتصاد ككل إذ تدلنا الخبرات الدولية المختلفة، في معظمها على أن النمو الاقتصادي يؤدي إلى المزيد من العمل مقابل أجر.

من هذا المنطلق يمكننا النظر إلى أوضاع المرأة المصرية في سوق العمل وهى أوضاع ليست بالجيدة إذ يلاحظ المتتبع لهذه السوق العديد من الظواهر المهمة التي يجب التوقف عندها ، يأتي على رأسها انسحاب المرأة من سوق العمل إذ يشير بحث القوى العاملة عن الربع الرابع لعام 2017 إلى أن 77٫6% من الإناث خارج قوة العمل (منهم 53٫4 % متفرغة لأعمال المنزل و20٫7% للدراسة) وبالتالي لا يوجد داخل قوة العمل إلا نحو 22٫4% وهذه نسبة ضئيلة للغاية لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع مكانة المرأة في المجتمع وبعبارة أخرى فإن معظم النساء قد انسحبن من سوق العمل وتفرغن للأعمال المنزلية إما نتيجة للأوضاع السائدة أو لأسباب اجتماعية تتعلق بأنماط القيم السائدة في المجتمع، أو لأن ظروف العمل لم تصبح مواتية لها وهنا نلحظ أن 79٫2% من الأميات و77٫6% ممن يقرأ ويكتب أو محو أمية، و62% من الحاصلات على مؤهل متوسط فني متفرغن للأعمال المنزلية مقابل 31٫6% من الحاصلات على مؤهل جامعي و40% من الحاصلات على مؤهل أعلى من المتوسط، بمعنى آخر فإن هناك علاقة وثيقة بين المستوى التعليمي والدخول إلى سوق العمل ، فإذا ما أضفنا إلى ذلك ارتفاع نسبة البطالة بين النساء العاملات لتصل إلى 23٫3% خلال الربع الأخير من عام 2017 يقع معظمها في الشريحة العمرية 20- 29 سنة ناهيك عن أن معظمهن من الحاصلات على مؤهل جامعي (نحو 32٫5% من المتعطلات) والمؤهل المتوسط الفني (نحو30٫5%) كما تزداد مدة التعطل بينهم حيث تصل نسبة المتعطلات لأكثر من ثلاث سنوات إلى نحو 40% من الإجمالي بينما تصل هذه النسبة بين الذكور إلى نحو 18% كل هذه المؤشرات وغيرها تدل على أن أوضاعها في سوق العمل ليست على ما يرام وبالتالي يجب العمل على وضع سياسة جديدة لحل هذه المشكلات، وتحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة عمومًا والفقيرة على وجه الخصوص، وهنا توجد عدة سبل من أهمها الاهتمام بتشجيع الصناعات الريفية والصناعات التصديرية في القطاع الريفي، حيث إن هذا القطاع يعد من أهم القطاعات لإيجاد فرص العمل للمرأة. وذلك من خلال الاهتمام بالصناعات التصديرية صغيرة الحجم ونشر الصناعات الزراعية كثيفة العمل كالصناعات الغذائية، وصناعة الغزل والنسيج والملابس. وتوفير الدعم المادي والفني لهذه الصناعات مع استخدام السياسات التحفيزية من أدوات السياسة المالية والنقدية ؛ لتشجيع القطاع الخاص على زيادة معدل استيعاب العمالة به وعلى وجه الخصوص النساء. جنبًا إلى جنب مع العمل على حل مشكلات القطاع غير الرسمي باعتباره المستوعب الرئيسي للمرأة العاملة، فلابد من العمل على تنمية مهارات العاملين به وتوفير الحماية والضمان الاجتماعي لهم. يضاف إلى ذلك العمل على تحقيق الاستهداف الفعال للمرأة الفقيرة عن طريق توجيه الموارد مباشرة للقطاعات التي تعمل بها وللمناطق الفقيرة (العشوائيات وقرى ونجوع الوجه القبلي) اعتمادًا على خريطة جغرافية لفقر المرأة تعتمد على عدد من مؤشرات الحرمان البشري. ويترك المجال للمنظمات غير الحكومية المحلية ومؤسسات العمل التطوعي للاستفادة من إمكان وصولها إلى المرأة الفقيرة على مستوى القاعدة. مع الأخذ بالحسبان أن المرأة الفقيرة ليست مجموعة واحدة متجانسة (المرأة المعيلة ـ المرأة الريفية ـ المرأة في العشوائيات أو في القطاع غير الرسمي) وهو ما يستلزم تحديد خصائص كل فئة ووضع البرامج الملائمة لها, أو الاستهداف باستخدام نوع معين من التدخل مثل توفير القروض المتناهية في الصغر.

وهنا يأتي الحديث عن الشمول المالي الذي يهدف إلى تيسير الوصول إلى استخدام وتقديم المنتجات والخدمات المالية الرسمية إلى مختلف الشرائح في المجتمع، بأسعار معقولة وبعدالة وشفافية بدلًا من الحصول عليها من خلال القنوات غير الرسمية وهكذا يسعى النظام إلى توسيع نطاق العمل المصرفي ليشمل جميع الفئات عمومًا والفقراء والنساء تحديدًا وهنا يشير خبراء البنك الدولي إلى أنه عندما تمتلك إحدى النساء حسابًا ومكانًا آمنًا للادخار خارج المنزل، فإنها تمتلك كذلك قدرة أكبر على التحكم في مواردها المالية ودخل أسرتها. ومع توفير إمكان الحصول على خدمات الادخار والائتمان الرسمية، تستطيع النساء المشاركة بدرجة أكبر في الاقتصاد

شاهد أيضاً

ستة أعوام ثَرية بالإنجازات لصالح تمكين المرأة المصرية بقلم أ.د. غادة عامر

منذ بداية الدولة المصرية لعبت المرأة دوراً مُهماً في المجتمع المصري، وكان لها مكانة خاصة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *