مكرم محمد أحمد … نقطة نور لماذا انقلبت طهران على العبادي؟ !

في الوقت الذي ترجح فيه مؤشرات الانتخابات العراقية التي تُجرى يوم 12 مايو الحالي احتمالات فوز تحالف رئيس الوزراء “حيدر العبادي” الذي يسعى لأن يقود العراق خارج قسمته الطائفية بين السنة والشيعة، ويعتبره العراقيون أكثر زعماء الشيعة قرباً من السنة، ويحظى بشعبية كبيرة في مدينة الموصل ذات الأغلبية السُنية، كبرى مدن العراق بعد العاصمة بغداد، وربما يكون الشخصية الوحيدة التى يتوافق عليها كل المجموعات العرقية والطائفية لسياساته المتوازنة، تسعى إيران لتنظيم تحالف شعبى آخر يضُم ائتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء العراقي السابق “نوري المالكي”، وتحالف الفتح بزعامة “هادي العامري” الذي يضم 19 فصيلاً من الحشد الشعبي الموالي لإيران، هدف طهران من ذلك تفكيك وإضعاف تحالف العبادي الذي يقود سياسة أكثر توازناً لا تعادي انتماء العراق العربي، ويحرص على علاقاتالأيام جيدة مع كل من مصر والسعودية، ويحاول جهده أن يجعل من العراق دولة مدنية غير طائفية لا تُشكل الميلشيات الشيعية العسكرية عمودها الفقرى.

وفي المقابل يبدو “العبادي” غير مكترث بسحب إيران دعمها لولاية ثانية له، لأن العبادي يعول على جماهيره في الداخل خصوصا في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى التي حررها من سيطرة تنظيم داعش, فضلا عن الفساد المنتشر في صفوف قيادات الحشد الشعبي والإخفاق الشديد لحكومة نورى المالكي الذي كان سببا في سقوط الموصل، ورغم أن المرجع الديني الأعلى في العراق على السيستاني يقف على مسافة واحدة من كل التحالفات، إلا أن بيانه الذي قُرئ في خُطبة الجمعة كان واضحا في تحذيره الشديد من خطورة التدخل الخارجي، و من سوء استغلال السلطة من قبل كثير ممن تسلموا المناصب العليا وأسهموا في نشر الفساد وتضييع المال العام، وقد فهمت رسالة المرجع الأعلى على السيستاني على الفور بأنها تستهدف “نوري المالكي” الذي يعد رجل إيران الأول فى العراق، وواجه اتهامات بالفساد وكان له دور في انهيار الجيش العراقي أمام تنظيم داعش، كما تميزت سنوات حكمه الثماني بعمق الانشقاق الطائفي.

والواضح من خريطة التحالفات البرلمانية لعام 2018، انهيار التكتلات والتحالفات الكبيرة، وظهور إنقسامات عميقة داخل التكتل الشيعي الذي ينقسم الآن إلى خمسة تكتلات، وتراجع النفوذ الإيراني، وتقلص دوره في رسم الخريطة السياسية للعراق، فضلا عن أن الانتخابات البرلمانية هذه المرة لا تكرس فكرة التحالف على أساس طائفي.

ورغم ضخامة الأموال التي تنفقها طهران لصالح تكتل نوري المالكي “وهادي العامري” رئيس الحشد الشعبي، يتوقع المراقبون أن يتسبب حيدر العبادى في تكبيد نورى المالكى خسارة كبرى, ويحصد 50 مقعدا من عدد مقاعد البرلمان التى يبلغ 110 مقاعد بينما يحصل العامرى على قرابة 40 مقعدا و يحصل نورى المالكى على 25 مقعدا، كما تشير التوقعات إلى احتمال وصول 60 نائباً سُنياً إلى البرلمان ، وفي المناطق الكردية من المحتمل أن يحصل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة “مسعود البرزاني” على 20 مقعدا وتظل القوة الكردية الأكبر في البرلمان العراقي.

ونشرت مؤسسة كارنيجي للسلم الدولي تقريرا عن العراق يؤكد انتشار الفساد الذي طال أغلب مؤسسات الدولة العراقية فضلا عن ضعف وسوء البنية الأساسية، حيث يحصل 33% فقط من الشعب العراقي على المياه النقية، كما أن نسبة الأمية تتجاوز 29 في المائة، وفي ظل هذه الظروف الصعبة يتعاظم دور الزعيم مقتدى الصدر الذي يقود حركة فقراء العراق ويعتقد أن إيران تريد عراقا ضعيفا، وأن سلطة الحكومة المركزية لابد أن تقوى على الجميع، كما يعتقد الصدر أن علاقات قوية بين العراق ومصر والسعودية أمر مهم لتحقيق التوازن في سياسات العراق .

لكن أخطر ما يمر به العراق الآن عمليات الاغتيال المجهولة التي تستهدف مرشحي الكتل السياسية المختلفة، ولم يتم بعد كشف النقاب عن مرتكبيها رغم وصول أعداد القتلى إلى خمسة مرشحين في مدن كركوك والأنبار وبغداد، وإلى أن يتم التعرف رسميا على منفذى هذه الجرائم سوف تظل عمليات اغتيال المرشحين لغزا مخيفا, وإن كانت مصادر سياسية تشير إلى أن من يقف وراء هذه العمليات أحزاب تتبع أجندات خارجية .

جريدة الأهرام

شاهد أيضاً

ستة أعوام ثَرية بالإنجازات لصالح تمكين المرأة المصرية بقلم أ.د. غادة عامر

منذ بداية الدولة المصرية لعبت المرأة دوراً مُهماً في المجتمع المصري، وكان لها مكانة خاصة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *