مكرم محمد أحمد … هل انتهت هواجس سد النهضة؟

 إن كانت القمة الثلاثية التي عقدها الرؤساء الثلاثة، عبدالفتاح السيسي وعمر البشير وهيلاماريام ديسالين في أديس أبابا قد نجحت في أن تجعل العلاقات بين الدول الثلاث سمناً على عسل كما يقولون، وإن كل شىء يمكن أن يبقى على ما يرام، إن التزم إعلام الدول الثلاث خاصة إعلام مصر أدب الحوار، وسعى إلى تعزيز المصالح المشتركة بين البلدان الثلاثة، وإمتنع الجميع عن حملات السباب والتشكيك، فذلك في الحقيقة تبسيط شديد للأمور يتجاهل أن وراء الأكمة أسباباً أخرى، ربما يكون الإعلام أساء فهمها أو أساء استغلالها، لكن ما من شك أن الإعلام لا يخلق شيئاً من العدم، ولا يستطيع أن يقبح شيئاً جميلاً أو يخلع على القبح جمالاً كاذباً، وإذا كانت قمة الرؤساء الثلاثة قد نجحت فليس لأن الإعلام أحسن التعامل معها، ولكن لأن الرؤساء تعاملوا بشفافية أكبر مع المشكلات الحقيقية التي تواجههم، ولأن الدول الثلاث أدركت أن الكل خاسر لأن ما كان يجمعهم، النيل والجيرة والمصلحة المشتركة، يتهدده خطر جسيم، وأن ضرورات الحاضر والمستقبل تلزم مصر والسودان وإثيوبيا الحفاظ على روابطهم الأساسية، وأن الشعار الذي يطلب من الجميع الحفاظ على وحدة وادي النيل ليس مجرد شعار سياسي، ولكنه حقيقة جغرافية وتاريخية وسياسية ينبغي أن تسبق وتحكم كل خلاف.

وربما يكون صحيحاً أن بعضاً من إعلام مصر أخطأ التعامل عندما فقد التمييز بين مصالح الشعوب وخلافات الحكومات وهو يرى سوء الظن يحاصر بلاده من أقرب الأقربين، وربما تحتاج مؤسسات الإعلام العربي إلى مدونة سلوك طوعي يضبط أداءها حال وقوع خلاف بين الأشقاء والأصدقاء، يمنعها من الشطط الذي يفسد الود والعلاقات . وأظن أن واجبنا المهني كإعلاميين أن نفعل ذلك وسوف نفعله، لكن ما من شك أن الدرس الصحيح من قمة إفريقيا الثلاثين في أديس أبابا، أن الشفافية والتعاون المشترك وعدم الإضرار بمصالح الغير ونبذ الإرهاب والإدراك الرشيد لاحتياجاتنا المتبادلة والحفاظ على وحدة وادي النيل ووحدة مصر والسودان، وتعزيز الوحدة الوطنية بين الشمال والجنوب وبين المسلمين والمسيحيين في كل بلد أفريقى، ينبغي أن يشكل ميثاقاً أخلاقياً وسياسياً يربط الدول الثلاث. وأظن أن من واجب مصر وقد نجح الرئيس السيسي في أن يرقى بعلاقات مصر الإفريقية لتصبح صنوا لعلاقاتها مع الأشقاء العرب، أن تواصل تعميق هذه العلاقات لأننا أفارقة كما أننا عرب، ولأن مصالحنا ربما تكون أكبر مع الجنوب، وحسناً أن وجه الرئيسان عمر البشير والسيسي في لقائهما التاريخي في أديس أبابا، كما وصفه وزير خارجية السودان خارجية البلدين وأجهزة الأمن والمخابرات فيهما لعقد اجتماع عاجل يضع النقاط على الحروف لوضع خارطة طريق تعيد علاقات مصر والسودان إلى مسارها الصحيح.

وأظن أيضاً أن خروج الرؤساء الثلاثة السيسي والبشير وديسالين، متشابكي الأيدي من اجتماعهم المشترك إشارة إلى الانفراجة التي حدثت في أزمة سد النهضة، وحولت الخلافات بين الدول الثلاث إلى تعاون مثمر بدلاً من تأجيج الصراع، قد أسعد كثيراً شعوب مصر والسودان وإثيوبيا التي تتوق إلى أن يطمأن الجميع على أن حكوماتهم قد أصبحت صوتاً واحداً، وأن السد الإثيوبي لن يحدث ضرراً لأي من الشعوب الثلاثة التي تشترك في مشاعرها القوية تجاه نهر النيل، وأن ثمة صندوق مشترك بأنصبة متساوية تم إنشاؤه للإستثمار المشترك، خاصة أن حجم الاستثمارات المصرية في إثيوبيا جاوز المائة مليار دولار، كما أن مصر سوف تكون بوابة الشمال التي يتم منها تصدير وتوزيع كهرباء سد النهضة إلى أوروبا. وربما يكون السؤال الوحيد الذي لم أعثر بعد على إجابته، لماذا ترفض إثيوبيا البنك الدولي حكماً فى أية خلافات فنية حول سد النهضة! والأمر المؤكد أن مصر تتحرك على نحو صحيح تجاه علاقاتها بإفريقيا خاصة دول حوض النيل، والسودان وإثيوبيا على وجه خاص، كما أن رئاسة مصر لمجلس السلم والأمن الإفريقي، وإسهامها في فض النزاعات الإفريقية سلماً، وحل المشكلات الإفريقية من خلال التفاوض والتركيز على المصلحة المشتركة كما تفعل مع إثيوبيا ، وتكتيل جهود الدول الإفريقية في الحرب على الإرهاب مع وجود بؤرة إرهاب مقلقة تضرب مصالح دول شمال إفريقيا، عرباً وأفارقة، هى بوكو حرام التي تتطلب تعاون الجميع على اجتثاث جذورها يؤكد أن مصر السيسي نجحت في استعادة ريادتها الإفريقية.

جريدة الأهرام

شاهد أيضاً

ستة أعوام ثَرية بالإنجازات لصالح تمكين المرأة المصرية بقلم أ.د. غادة عامر

منذ بداية الدولة المصرية لعبت المرأة دوراً مُهماً في المجتمع المصري، وكان لها مكانة خاصة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *