بقلم ا.د هدي زكريا
ينجعص أصحاب الألقاب العلمية والسياسية فى الشاشات الفضائية وهم يستخدمون لغة الجسد الدالة على العنجهية والقنزحة إبتداء من قلب الشفتين بإزدراء وإنتهاء بتقطيبة الجبين المصطنعة ناهيك عن الوقار الزائف ، ويبدأ درس الديموقراطية من السياسى المعلم/النشط/ المثقف بعبارات الإهانة التى يوجهها إلى المشاهد/ الشعب/ التلميذ فيقول : أصل الشعب لسة فى سنة أولى ديموقراطية وطبعاً حياخد وقت لغاية ما يتعلم كيف يقبل الديموقراطية !
ولأن الظهور على الشاشات يمثل سلطة فكرية وإجتماعية وثقافية لا تحظى بها الشعوب التى كتب عليها “قدرها” أن تسمع وتشاهد وتحاول أن تصدق المثقف السياسى “الدواوينى” الذى لم يتصفح سوى كتاب القراءة الرشيدة الغربى فى موضوع “الديمقراطية” فصار يحفظ كلماته عن ظهر قلب ويتشدق بها فى كل المحافل ثم يقوم متأففاً “بتثقيف الجماهير” وإصدار تعليماته لها لكى تتحرك وفقاً لما رسمه لها من سيناريوهات خيالية لا تمت للواقع بصلة .
ويظن هؤلاء أن الشعار العبقرى للزعيم الخالد جمال عبد الناصر “الشعب هو القائد وهو المعلم” مجرد تعبير سياسى يتملق الجماهير التى يحرصون على تأنيبها “بتهمة إرتفاع نسبة الأمية” بين أفرادها ولا يكلف هؤلاء أنفسهم بالإطلاع –ولو قليلاً- على تاريخ بلادهم الاجتماعى وتراثها الشعبى الذى يترفعون عن قراءته أو التعرف على كنوزه .
وكنت أرقب ما يبدو على وجوه البعض منهم من خجل ودهشة عندما أسأله فى خبث: هل تعرف أن الشعب المصرى هو الذى إبتدع الديموقراطية فى أشد صورها قوة ونبلاً منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ؟! أى من قبل إنتشار الفكر الليبرالى الغربى والذى صاحب صعود النظام الرأسمالى والترويج لمبادئه الإقتصادية الشهيرة : دعه يعمل .. دعه يمر.؟
وعندما ألمح علامات الإستنكار والتوتر على الوجوه المدعية للمعرفة، وعندما يصرخ البعض :غير معقول طبعاً فالديموقراطية مسألة غربية بالدرجة الأولى والشرق لم يعرف سوى النظم الإستبدادية .
ومصر بالذات كانت لاتعرف سوى الفرعون والمستبد.!
أتساءل ببراءة : ألم تسأل نفسك أيها النشط المثقف لماذا تسود عبارة “موسى نبى وعيسى نبى ومحمد نبى وكل من له نبى يصلى عليه..!!
فيرد البعض متسائلاً وما علاقة هذه العبارة التى يستخدمها المصريون “البسطاء” فى معاملاتهم اليومية منذ التاريخ القديم بالديموقراطية السياسية التى نناقش قضاياها حالياً.؟!
وأجيب شامتة : تلك هى الديموقراطية الدينية التى إبتدعها شعب شديد الرق، عندما كشفت له الأقدار التاريخية أن أرضه ستكون مهبطاً للأديان السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام وأنه إذا كان المصريون سيتوزعون على تلك الأديان وفقاً لإرادتهم الحرة، فإن المجتمع المصرى قد إتخذ “قراره الثقافى الوطنى” بألا ينفرط عقده الأصيل على أرضية الإنقسام الدينى، بإبتكاره خصوصيته الديمقراطية، التى ترحب بتعددية الأديان لجماعة إنسانية متماسكة، مع الحرص على “وحدانية” الثقافة التى صارت هى العروة الوثقى لمجتمع تمتع “أميوه” بثقافة إفتقدها “متعلموه”.
وإذن كانت الديقراطية الدينية -الصعبة المرام – هى إبداع ثقافى مصرى بلا منازع فى زمن مزق الخلاف الدينى فيه شعوب أوروبا لسنوات سميت بالحقبة المظلمة دينياً وسياسياً وفكرياً .
فإذن أيهما أصعب وأجدر بالفهم والدراسة ؟ أن ندير الظهر السياسى والثقافى والفكرى لتاريخ نبيل يخصنا دون غيرنا ويمكنه أن يجيب على جميع الأسئلة التى يطرحها مثقفونا “الحنجوريون” ولا يجدون لها إلا إجابات فقيرة فى بعض كتب القراءة الرشيدة الغربية، فحتى تلك الكتب الليبرالية الشكل والطابع قد وجدت من ينتقدها فى كتابات كارل ماركس عندما أكد: ” أن الدولة البرجوازية قد إستخدمت آلية الديموقراطية السياسية كغلاف” يغطى ويجمل ويزيف الظلم الطبقى وذلك بتزييف وعى الجماهير بدفعها الى الإبتهاج بالحصول على المساواة السياسية طالما أنها لا “تبطن” صندوق الإنتخابات الديموقراطية بترسيخ قواعد العدالة الإجتماعية أولاً، فيفرح الناس بتكافؤ الفرص السياسية الذى يكشف فى الواقع عن تكافؤ الفرص “الزائف” بين الأسد والغزال فى الغابة السياسية.
أليس من الأجدر بنا أن نكتشف أننا قد مارسنا الديمقراطية الدينية – وهى الأصعب والأكثر عمقاً – على المستوى الشعبى والاجتماعى وبالتالى فليس من الصعب علينا أبداً أن نمارس الأسهل .. أقصد الديمقراطية السياسية.!!
يقول الأبنودى : إحنا بتوع الأصعب وطريقه الأجمل!
فدعك عزيزى السياسى من مشاعر الدونية التى تدفعك الى التطلع لتجارب شعوب لم ترتق إلى مستوى شعبك المثقف بلا إدعاء وإلتفت إلى تاريخك الإجتماعى والشعبى تجد ما يسرك !!
المجلس الاعلى لتنظيم الاعلام – الموقع الرسمي الموقع الرسمي للمجلس الاعلي لتنظيم الاعلام المصري